السؤال

ما هي عقيدة وضوح الكتاب المقدس؟ وهل الكتاب المقدس واضح حقًا؟

الجواب
تعني كلمة "وضوح" (perspicuity) "الصفاء أو الوضوح." وعندما يُقال إن شيئًا ما واضح أو صافي، فالمقصود أنه مفهوم بجلاء. تُعد عقيدة وضوح الكتاب المقدس واحدة من المبادئ الأساسية في العقيدة الإنجيلية البروتستانتية، إلى جانب عقائد الوحي، وعدم الخطأ، وكفاية الكتاب المقدس. وباختصار، فإن هذه العقيدة تعني أن الرسالة المركزية للكتاب المقدس واضحة ومفهومة، وأن الكتاب يمكن تفسيره تفسيرًا صحيحًا وفقًا للمعنى العادي والحرفي للنص.

وقد شرحت "وثيقة الإيمان الوستمنسترية" ما يؤمن به البروتستانت بشأن وضوح الكتاب المقدس بقولها: "ليست كل الأمور في الكتاب المقدس واضحة في ذاتها بنفس الدرجة، ولا هي واضحة لجميع الناس بنفس القدر، ومع ذلك، فإن الأمور التي يجب معرفتها والإيمان بها والعمل بها لأجل الخلاص قد تم شرحها وبيانها بوضوح في مكان ما من الكتاب المقدس، بحيث إن ليس فقط المتعلمين بل حتى غير المتعلمين، باستخدام الوسائل العادية، يمكنهم بلوغ فهم كافٍ لها." (1.7)

كانت عقيدة وضوح الكتاب المقدس من المعتقدات الجوهرية لحركة الإصلاح. فقد علّم مارتن لوثر ضد الزعم الكاثوليكي الروماني بأن الكتاب المقدس غامض وغير واضح، ولا يمكن للناس العاديين فهمه. فقد ادعى الكهنة والأساقفة أن الكتاب المقدس غير واضح، وأنه لا ينبغي الوثوق بالشعب لتفسيره أو حتى لقراءته. على العكس من ذلك، شجّع المصلحون المسيحيين العاديين على دراسة كلمة الله وتفسيرها بأنفسهم. وقد آمنوا بأن الكتاب المقدس يُعلن عن ذاته بأنه واضح بطبيعته، وأن الله قادر على إيصال رسالته إلى جميع الناس، حتى غير المتعلمين. وكان من المبادئ الأساسية لحركة الإصلاح أن الكتاب المقدس واضح بما يكفي ليعيش على هديه أبسط إنسان. وبسبب إيمانهم بوضوح الكتاب المقدس، بذل رجال مثل جون ويكليف، وويليام تنديل، ومارتن لوثر، ومايلز كوفر دايل، وتوماس ماثيو، وبيير أوليفيتان، جهودًا كبيرة لترجمة الكتاب إلى اللغات العامية.

ويشهد الكتاب المقدس بنفسه على وضوحه. ففي سفر التثنية 6: 6–7 يُحث الآباء على تعليم أبنائهم كلام الله، مما يدل على إمكانية فهمه من قِبل الأطفال. ويؤكد العهد الجديد هذا الأمر عندما يشجع الرسول بولس تيموثاوس أن يستمر في ما تعلّمه من الكتب المقدسة منذ طفولته (2 تيموثاوس 3: 14–15). ويعلن مزمور 19: 7 أن "شهادة الرب صادقة تُصير الجاهل حكيمًا"، ومن المؤكد أن الجاهل لا يمكن أن يُصبح حكيمًا إلا إذا فهم ما يُعلّم. ويضيف مزمور 119: 130 أن "فتح كلامك يُنير، يُفهِّم الجهّال"، مما يعني أنه لا حاجة إلى مستوى عالٍ من التعليم لفهم حقائق الكتاب. فمعناه واضح للجميع.

وتعني عقيدة وضوح الكتاب المقدس أن الأسفار المقدسة واضحة في الأمور الجوهرية، وقادرة على إعلان ما يمكن للإنسان فهمه عن الله - طبيعته، صفاته، معاملاته مع البشر في الماضي، وخططه للمستقبل. والكتاب المقدس واضح في كل ما يجب على الإنسان أن يعرفه بخصوص حالته الخاطئة، وحاجته إلى الخلاص، والطريقة التي ينال بها هذا الخلاص، بالإيمان بالمسيح (رومية 3: 22).

لكن لا تعني هذه العقيدة أن كل فقرة في الكتاب المقدس واضحة تمامًا في معناها الدقيق. فمن المؤكد أن هناك مقاطع قد تبدو غامضة للقارئ الحديث بسبب الإشارات التاريخية أو الثقافية. وبعض الأجزاء اللاهوتية صعبة الفهم؛ فقد قال بطرس إن في الكتاب "أشياء عسرة الفهم" (2 بطرس 3: 16). فوضوح كلمة الله لا يُلغي الحاجة إلى التفسير والشرح والتوضيح من قِبل دارسين أمناء.

والإنسان المحدود لا يمكنه أبدًا أن يفهم الكامل غير المحدود. "لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي، يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض، هكذا علت طرقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم" (إشعياء 55: 8–9). كما أن طبيعتنا الخاطئة تعوق قدرتنا على فهم كل الكتاب المقدس بشكل كامل في هذه الحياة. لكن سيأتي يوم يُستعلن فيه كل شيء: "فإننا ننظر الآن في مرآة، في لغز، لكن حينئذ وجهًا لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت" (1 كورنثوس 13: 12).

ولا تعني عقيدة وضوح الكتاب أن الإنسان الخاطئ يمكنه أن يفهم كل معانيها الروحية. تقول 1 كورنثوس 2: 14 إن "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، لأنه عنده جهالة، ولا يقدر أن يعرفه، لأنه إنما يُحكم فيه روحيًا." فالأمر لا يتعلق بعدم فهم الكلمات أو تركيب الجمل، بل بعدم القدرة على الفهم الروحي. فكلام الله واضح على المستوى الظاهري، لكن معناه الروحي بالنسبة لغير المؤمن إما غير مهم أو غير معقول. ولهذا، لا بد من الجمع بين عقيدة وضوح الكتاب المقدس وعقيدة "الاستنارة"، أي أن الروح القدس يجب أن يُنير ذهن القارئ أو السامع حتى يدرك المعنى الروحي للكلمة.

وهناك أخطار كامنة في إنكار وضوح كلمة الله. فإذا اعتقدنا أن الكتاب المقدس غير واضح في تعليم الخلاص، فلن نشعر بأننا مسؤولون أمام الإنجيل وسنعيش كما يحلو لنا. والأسوأ، إذا كان المسيح هو الوسيلة الوحيدة للنجاة من الجحيم الأبدي، لكن الله جعل تلك الرسالة غامضة، فإن هذا يجعل الله قاسيًا ومتقلّبًا. لكن الله ليس قاسيًا ولا هو مصدر للارتباك (1 كورنثوس 14: 33). لقد تكلّم، وتكلّم بوضوح. وخطته للخلاص واضحة للجميع، لأنه يريد أن يخلُص جميع الناس (متى 28: 19–20).

كما أن إنكار وضوح كلمة الله يُفضي بنا إلى تجاهل أوامر الله بقراءة الكتاب ودراسته والتأمل فيه وتطبيقه في حياتنا. فإذا كان الكتاب غامضًا، فما فائدة تعليمه في بيوتنا أو كنائسنا، كما نحن مأمورون؟

وهناك خطر آخر في إنكار وضوح الكتاب، وهو أن الإنسان لن يرى نفسه ملزمًا بالعيش بحسب وصاياه. فإذا كان "لا تقتل" (خروج 20: 13) مثار جدل بدعوى الغموض، فما الذي يمنع من تبرير القتل؟ وإذا لم يكن الكتاب واضحًا، فليُسمح لكل إنسان أن يعمل ما هو مستقيم في عينيه. لكن الله أمرنا أن "نُقوِّم كلمة الحق بالاستقامة" (2 تيموثاوس 2: 15). والذين يروّجون لفهم مشوّه لكلمة الله أو يُقلّلون من شأنها بدعوى الغموض سيخجلون.

وأخيرًا، إن لم تكن كلمة الله واضحة، فإن ترجمتها من اللغات الأصلية ونشرها في العالم كله يكون بلا جدوى. فإن كانت الكلمات والمعاني غير واضحة، فإن المترجمين قد يحرّفونها أو يشوّهونها أو يتجاهلون وصاياها وتعاليمها، مما يجعلها بلا قيمة.

إن كلمة الله واضحة. ومعناها مفهوم حتى للأطفال والبسطاء. هي "سراج لرجلي ونور لسبيلي" (مزمور 119: 105). وهي كاملة وصادقة ومستقيمة وموثوقة (مزمور 19: 8–9). ومن خلال تعاليم الكتاب المقدس الواضحة، نحصل على الإرشاد، و"في حفظها ثواب عظيم" (مزمور 19: 11).

© Copyright Got Questions Ministries