السؤال

ما هي أهمية دمشق في الكتاب المقدس؟

الجواب
تُعد دمشق واحدة من أقدم المدن في العالم، وكانت وما زالت عاصمة سوريا. تقع هذه المدينة الواحة على حافة الصحراء السورية-العربية، على بُعد حوالي 130 ميلاً شمال شرق أورشليم، وتُعد من أجمل مدن غرب آسيا. تلعب دمشق دورًا مهمًا في كل من العهدين القديم والجديد، وتُذكر غالبًا كمسرح للقاء بولس بالمسيح القائم من بين الأموات، حيث اهتدى إلى المسيحية هناك.

في زمن الكتاب المقدس، كانت المسافة إلى دمشق من أورشليم تستغرق ستة أيام سيرًا على الأقدام على الأقل. وتقع دمشق شمال شرق جبل حرمون وعلى بُعد حوالي 50 ميلاً من ساحل البحر المتوسط، وكانت مركزًا تجاريًا ونقطة مواصلات رئيسية. وكان موقعها على نهر وعند تقاطع طريقين دوليين رئيسيين (طريق البحر وطريق الملك) يضمن لها الازدهار والأهمية.

وعلى الرغم من قربها من الصحراء، إلا أن وفرة المياه من نهرين يسمح للمنطقة بدعم كروم العنب ومحاصيل وفيرة من الفواكه والحبوب والمكسرات والقطن والصوف والحرير والزيتون والتبغ. نهر أبانا (المعروف اليوم باسم بردى) هو المصدر الرئيسي للمياه في دمشق، إذ يجري من الجبال الشمالية الغربية عبر وادٍ عميق إلى المدينة. أما نهر فارفر (المعروف الآن باسم الأعوج) فيجري على أطراف دمشق ويسقي البساتين والحدائق. ويُروى بفضل هذين النهرين حوالي 400 ميل مربع من الأراضي.

يُذكر اسم دمشق أول مرة في الكتاب المقدس في ارتباطه بإنقاذ إبراهيم للوط بعد أن اختطفه تحالف من ملوك بلاد ما بين النهرين (تكوين 14: 15). وكان خادم إبراهيم الأكبر، أليعازر، من دمشق (تكوين 15: 2).

ولا يُعاد ذكر المدينة في الكتاب المقدس حتى زمن داود، حين بدأت دمشق وملوكها بالتعامل المتكرر مع إسرائيل. وباعتبارها جزءًا من تحالف الآراميين، كثيرًا ما ارتبطت دمشق بالحروب ضد إسرائيل. وقد غزا الملك داود مملكة آرام السورية (2 صموئيل 8: 5–6)، لكن الملك رصين من دمشق استعاد السيطرة على سوريا في عهد سليمان (1 ملوك 11: 23–25).

وبعد موت سليمان وانقسام مملكة إسرائيل إلى مملكتين، ازدادت قوة دمشق. وفي أوقات مختلفة، عقد كل من مملكة إسرائيل ويهوذا تحالفات مع ملوك دمشق (1 ملوك 15: 18–20). وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى هيمنة دمشق على المملكتين العبرانيتين. وطوال بقية العهد القديم، ظلّت كل من مملكتي إسرائيل الشمالية والجنوبية متورطتين مع دمشق في صراعات على السيطرة.

وكان نعمان القائد السوري الذي التقى النبي أليشع يعيش في دمشق. وعندما أمره أليشع أن يغتسل في مياه نهر الأردن العكرة ليشفى من البرص، أجاب بغضب: "أَلَيْسَ أَبَانَةُ وَفَرْفَرُ نَهْرَا دِمَشْقَ أَحْسَنَ مِنْ جَمِيعِ مِيَاهِ إِسْرَائِيلَ؟ أَمَا كُنْتُ أَغْتَسِلُ بِهِمَا فَأَطْهُرَ؟" (2 ملوك 5: 12).

ويحمل الكتاب المقدس نبوءة مذهلة بخصوص دمشق: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ مَنْزُوعَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ" (إشعياء 17: 1). وقد ارتبطت هذه النبوءة بدمار مملكة إسرائيل الشمالية، والتي تُسمى هنا "أفرايم": "وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ، وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ" (الآية 3). ويُحتمل أن تكون هذه النبوءة قد تحققت حوالي عام 732 ق.م عندما هاجم الآشوريون آرام: "فَأَرْسَلَ آحَاز رُسُلاً إِلَى تَغْلَثَ فَلاَسَرَ مَلِكِ أَشُّورَ يَقُولُ: «عَبْدُكَ وَابْنُكَ أَنَا. اصْعَدْ وَخَلِّصْنِي مِنْ يَدِ مَلِكِ أَرَامَ وَمِنْ يَدِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ الْقَائِمَيْنِ عَلَيَّ». فَأَخَذَ آحَازُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ الْمَوْجُودَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَلِكِ أَشُّورَ هَدِيَّةً. فَسَمِعَ لَهُ مَلِكُ أَشُّورَ، وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ إِلَى دِمَشْقَ وَأَخَذَهَا، وَسَبَى سُكَّانَهَا إِلَى قِيرَ، وَقَتَلَ رَصِينَ" (2 ملوك 16: 7–9). ويرى بعض العلماء الآخرين أن نبوءة إشعياء ضد دمشق لن تتحقق بالكامل إلا في الأزمنة الأخيرة.

وقد أُعيد بناء دمشق لاحقًا، وظلت مدينة مؤثرة حتى زمن العهد الجديد، حيث ازدهرت كمركز ثقافي رئيسي، يضم العديد من المجامع اليهودية ومجتمعًا يهوديًا كبيرًا. وكان شاول الطرسوسي في طريقه إلى دمشق ليواصل اضطهاده للمسيحيين عندما واجه المسيح القائم من بين الأموات في لقاء غيّر مجرى حياته. وقد أُصيب بالعمى، واقتيد إلى دمشق، حيث اهتدى إلى المسيحية، وصار يُعرف لاحقًا بالرسول بولس. وفي ذلك الوقت، كانت دمشق تحت حكم الملك النبطي الحارث الرابع. وبعد إيمانه، بدأ بولس يشهد بخلاصه في مجامع دمشق. وعندما تآمر البعض لقتله، اضطر للهرب من المدينة بسلة أُنزِلت من سورها (أعمال الرسل 9: 1–25؛ 22: 6–21؛ 26: 12–18؛ 2 كورنثوس 11: 32–33).

© Copyright Got Questions Ministries