السؤال

ما هي نهاية باروخ؟

الجواب
كان باروخ كاتب النبي إرميا، وقد دوّن بأمانة نبوات إرميا التي سبقت سقوط أورشليم (إرميا 32: 12؛ 36: 26). وبمرور الزمن، أصبح باروخ محورًا لأساطير يهودية ظهرت في زمن المسيح، وتداول الناس عدة كتابات منحول نُسبت إليه. ويمكن أن تشير عبارة "نهاية باروخ" إلى أحد هذين العملين: نهاية باروخ السريانية، والمعروفة أيضًا باسم "باروخ الثاني"، أو نهاية باروخ اليونانية، أو "باروخ الثالث".

كلا العملين يدّعيان أنهما من تأليف باروخ، إلا أنهما كُتبا بعد وفاته بقرون. وتدور أحداثهما حول دمار أورشليم على يد نبوخذنصر سنة 586 ق.م، ويتناولان كيفية استمرار الديانة اليهودية بدون هيكل. في الواقع، كتبت هاتان النهايتان بعد تدمير أورشليم على يد القوات الرومانية سنة 70 م، ومن الطبيعي أن يكون اليهود آنذاك يتأملون في أمانة الله وعدله بعد تلك الأحداث الفظيعة. لنلقِ نظرة على هذين العملين كلٌّ على حدة:

نهاية باروخ السريانية، أو باروخ الثاني، كتبت على الأرجح في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي. وإذا كان هذا التاريخ صحيحًا، فهي معاصرة لتدوين العهد الجديد، مما يجعلها نافذة على الفكر اليهودي في زمن الرسل. وقد سميت "السريانية" لأنها محفوظة فقط في مخطوطة واحدة بالسريانية تعود إلى القرن السادس الميلادي، ويُعتقد أنها ترجمة عن أصل يوناني، وربما يعود النص اليوناني بدوره إلى أصل عبري. الكاتب الحقيقي غير معروف. يعتقد بعض العلماء أن الكتاب مركب من مؤلفين يهود متعددين، بينما يرى آخرون أنه من تأليف شخص واحد.

من الناحية الفنية، لا يُعتبر كل الكتاب رؤيا (Apocalypse) بالمعنى الحرفي؛ فالفصول التسعة الأخيرة منه تقدم نفسها على أنها رسالة من باروخ إلى بعض أسباط إسرائيل، وتُعرف هذه الفصول بـ"رسالة باروخ"، وهي تُعتبر من الكتب القانونية في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. بعض العلماء يعتقدون أن الرسالة أُلحقت لاحقًا بالنص الأصلي، لكن آخرين يرون أنها جزء أصيل من العمل.

كما ذُكر سابقًا، تدور أحداث نهاية باروخ السريانية حول تدمير الهيكل في أورشليم على يد البابليين. ويكتب المؤلف من وجهة نظر باروخ، الذي يتلقى رؤى من الله وينقلها إلى إرميا وإلى يهود أورشليم. ويُظهر النص صراع باروخ لفهم أمانة الله وعدله في ضوء دمار المدينة. ومن خلال الإعلانات الإلهية، يتعلم باروخ عن نوايا الله المستقبلية وعن تأديب اليهود بسبب خطاياهم. وفي النهاية، يتعلم باروخ أن يثق في خطة الله الكبرى.

باروخ الثالث، مثله مثل باروخ الثاني، يدّعي تسجيل رؤى تلقاها كاتب إرميا بعد تدمير هيكل سليمان. وقد وصل إلينا هذا الكتاب في مخطوطات يونانية وسلافونية كنسية قديمة. ويبدو أن النص الأصلي كُتب باليونانية، لكن الترجمة السلافونية قد تكون أكثر دقة من النسخ اليونانية المتأخرة الموجودة لدينا. من الصعب تحديد تاريخ كتابته بدقة، لكن كثيرًا من الباحثين يرجحون أنه كُتب في القرن الثاني الميلادي. وكما في باروخ الثاني، فإن المؤلف أو المجمع غير معروف. وتُظهر عدة أجزاء من باروخ الثالث علامات تحرير لاحق، وبعضها يحمل طابعًا مسيحيًا واضحًا ومفاجئًا. وعلى عكس باروخ الثاني، لا تعتبر أي كنيسة أن باروخ الثالث قانوني.

في نهاية باروخ اليونانية، يظهر باروخ مضطربًا بسبب دمار أورشليم على يد البابليين. وبينما هو يصرخ إلى الله، يُؤخذ إلى السماء بواسطة ملاك ويُريه "أسرار الله" (باروخ الثالث 1: 8). ويقوده الملاك عبر طبقات متعددة من السماء، فيشاهد مخلوقات غريبة وظروفًا عجيبة. وفي النهاية، يتجلى عدل الله، ويدرك باروخ أن دمار أورشليم لا يعني نهاية كل شيء. وكما في باروخ الثاني، يُتيح باروخ الثالث لليهود في القرن الثاني الميلادي أن يتأملوا في فقدانهم للهيكل والوطن من خلال عدسة الغزو البابلي، مشجعًا إياهم على الثقة في أمانة الله وسيادته.

وخلاصة القول، فإن نهاية باروخ تشير إلى عملين مختلفين: نهاية باروخ السريانية ونهاية باروخ اليونانية. كلاهما ينسبان زورًا إلى باروخ كاتب النبي إرميا. وبعد أن دمر الرومان أورشليم وهيكلها سنة 70 م، وجد اليهود أنفسهم في أزمة وجودية. ماذا يعني ذلك بشأن سيادة الله وأمانته؟ هل لا تزال وعوده صادقة؟ كيف يمكنهم ممارسة إيمانهم بدون هيكل؟ تسعى نهاية باروخ للإجابة على هذه الأسئلة من خلال رؤى إبداعية وسوابق تاريخية، مذكّرة القرّاء اليهود أنهم ليسوا أول جيل يشهد دمار أورشليم. وعلى الرغم من أن هذين الكتابين ليسا قانونيين ولا موحى بهما، فإنهما يقدمان لمحة عن الفكر اليهودي التاريخي، ويكشفان عن شعب مجروح يصارع لفهم هويته وإيمانه.

© Copyright Got Questions Ministries