السؤال
هل يمكن للمؤمن أن يتخلى عن إيمانه؟
الجواب
ينشأ هذا السؤال غالبًا في محاولة لفهم حالات محيرة نراها في حياة أشخاص نعرفهم. شخص ما كان قد أعلن إيمانه في وقت من الأوقات ثم أنكره. وبجميع المظاهر الخارجية، كان يبدو كمؤمنٍ منخرط في حياة الكنيسة، وربما حتى في الخدمة. فماذا حدث؟ هل هذا مثال على مؤمن أصبح غير مؤمن؟
هناك عدد من المشككين البارزين الذين بدأوا حياتهم كأشخاص يعلنون الإيمان. على سبيل المثال، دان باركر، الملحد ورئيس مؤسسة "الحرية من الدين"، بدأ كواعظ وموسيقي مسيحي. تشارلز تمبلتون (وقد تُوفي) كان مبشرًا جال مع بيلي غراهام، لكنه أصبح لاحقًا لا أدريًا صريحًا. بارت إيرمان، مؤلف ذائع الصيت ومشكك معروف، يُلقي باستمرار الشك على مصداقية العهد الجديد. يصف نفسه بأنه كان "مولودًا ثانية ومتشددًا"، ودرس في معهد مودي الكتابي وتخرج من كلية ويتون.
وبعيدًا عن هذه الحالات المشهورة، هناك الآلاف، وربما الملايين، ممن أعلنوا الإيمان في مرحلة ما، غالبًا في الطفولة، لكنهم الآن لا يُظهرون أي إيمان بالمسيح. سواء أطلقوا على أنفسهم لقب ملحدين، أو لا أدريين، أو مجرد غير مهتمين، فإنهم قد تركوا الإيمان. فكيف نتعامل مع هؤلاء الأشخاص؟ هل كانوا حقًا مؤمنين مولودين ثانية، لكنهم الآن غير مؤمنين؟
تُطرح عدة احتمالات لتفسير هذه الظاهرة.
الاحتمال الأول هو أن هؤلاء الأشخاص كانوا وما زالوا مخلَّصين، مولودين ثانية، وأصبحوا جزءًا من جسد المسيح، ويسكنهم الروح القدس وقد خُتموا به. بما أن خلاص الله لا يُنقض، فإن الشخص الذي نال الخلاص سيبقى دائمًا مخلَّصًا، مهما كان حاله لاحقًا من عدم الإيمان أو العصيان. ويبدو أن الآباء غالبًا ما يجدون عزاءً في هذا المفهوم، إذ يتمسكون بزمان ومكان محددين "قبل فيهما" طفلهم المسيح، حتى وإن ابتعد هذا الطفل اليوم عن الرب.
الاحتمال الثاني هو القبول بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يومًا مؤمنين حقيقيين، ولكنهم عندما توقفوا عن الإيمان، فقدوا خلاصهم. فكل بركات الله قد انعكست، وأصبح هؤلاء "المؤمنون السابقون" غير مؤمنين وغير مخلَّصين.
الاحتمال الثالث هو أنهم، رغم أنهم أظهروا علامات خارجية تدل على إيمان حقيقي، فإن خياراتهم اللاحقة وتصريحاتهم تُظهر أنهم لم يكونوا يومًا مؤمنين حقيقيين. فالمؤمن الحقيقي قد يمرّ بفترات شك، أو عدم يقين، أو عصيان، أو حتى عدم إيمان مؤقت، لكنه لا يتخلى عن إيمانه. وتُعرف هذه الفكرة باسم "ثبات القديسين" - أي أن كل من نال الخلاص الحقيقي سيثابر في إيمانه، محفوظًا بقوة الله. ولا يمكننا معرفة مدى صدق قرار الشخص باتباع المسيح إلا من خلال الثمر الذي يُنتجه. وهذا هو المنظور المدعوم أكثر في الكتاب المقدس.
الكتاب المقدس والتاريخ مليئان بأمثلة لأشخاص استجابوا في البداية للمسيح استجابة إيجابية، لكنهم ارتدوا لاحقًا. في مثل الزارع والبذار، نبت بعض البذار سريعًا، لكنه ذبل أو خُنق بالحشائش. "وأما المزروع على الأماكن المحجرة فهو الذي يسمع الكلمة وحالًا يقبلها بفرح، ولكن ليس له أصل في ذاته، بل هو إلى حين، فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة، فحالًا يعثر. وأما المزروع بين الشوك فهو الذي يسمع الكلمة، وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة فيصير بلا ثمر" (متى 13: 20–22). أما البذار المزروع في الأرض الجيدة فيُنتج ثمرًا للحصاد. وفي المراحل الأولى، قد يكون من الصعب التمييز بين من سيثبت ومن لن يثبت، لكن الزمن يكشف الحقيقة.
في يوحنا 6، يصف يسوع نفسه بأنه خبز الحياة ويقول أشياء صعبة الفهم. ويقول العدد 66: "من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه". كان هناك من أعلنوا أنهم أتباع ليسوع، لكنهم رجعوا إلى الوراء عندما قال شيئًا لم يعجبهم. لم يكونوا قد فقدوا الخلاص، بل لم ينالوه أصلًا، وهذا الموقف كشف حقيقتهم.
ثم في نفس الإصحاح، يتحدث يسوع عن بطرس ويهوذا الإسخريوطي: "أفقال لهم يسوع: ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟ فأجابه سمعان بطرس: يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي. أجابهم يسوع: أليس إني أنا اخترتكم، الاثني عشر؟ وواحد منكم شيطان! قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي، لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه، وهو واحد من الاثني عشر" (الآيات 67–70). في ذلك الوقت، كان بطرس ويهوذا يبدوان متشابهين - كلاهما تلميذ. في الليلة التي أُلقي فيها القبض على يسوع، كانا يبدوان متشابهين - كلاهما أنكر الرب. لكن بعد أيام قليلة، أظهرا نفسيهما مختلفين تمامًا. يهوذا، المملوء بالندم، لم يطلب التوبة والغفران، بل انتحر (متى 27: 5). أما بطرس، فامتلأ بالخجل وبكى (متى 26: 75)، وبعد ثلاثة أيام، كان لا يزال مع التلاميذ وأصبح رسولًا للرب القائم.
لم يفقد بطرس ولا يهوذا خلاصهما. طبيعة يهوذا الحقيقية كانت أنه غير مؤمن. أحب يسوع بطريقة ما، ولعب دور المؤمن لفترة، لكنه لم يؤمن أبدًا - يمكن القول إنه تظاهر فقط بالإيمان. كان يهوذا أمين الصندوق بين التلاميذ، ويخبرنا يوحنا 12: 6 أنه كان يسرق من المال. أما بطرس، فقد "تظاهر" لفترة قصيرة بعدم الإيمان، لكن على مدى الزمن، ظهرت طبيعته الحقيقية كمفتدى.
رسالة يوحنا الأولى تتناول هذه المسألة مباشرة بشأن من يبدون كمؤمنين لكنهم يرتدّون. كان بعض المعلمين الكذبة قد بدوا مؤمنين حقيقيين يومًا ما، وأثاروا القلق في الكنيسة. وتوضح 1 يوحنا 2: 19: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا. لكن ليُظهر أنهم ليسوا جميعهم منا." رغم أن الذين ارتدّوا بدوا حقيقيين، إلا أن يوحنا يوضح أنهم لم يكونوا "منا" في الحقيقة؛ وأحد علامات المؤمن هي "الاستمرار معنا". قد يستطيع البعض "التظاهر" بالإيمان لفترة، لكنهم لا يستطيعون الاستمرار في ذلك للأبد. فالحقيقة ستكشف تظاهرهم في النهاية. وتقول 1 يوحنا 3: 9: "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية، لأن زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله". فالمؤمن الحقيقي محفوظ من الاستمرار في الخطية لأنه مولود من الله - والله هو من يحفظه.
قد يقع المؤمن الحقيقي في العصيان ويصارع الشك، لكنه لا يتخلى عن المسيح. ومن يتخلى عن المسيح بأقواله أو أفعاله، لم يفقد خلاصه، بل يُظهر أنه لم يكن لديه إيمان حقيقي من البداية. وهذا أحد الأسباب التي تجعل التأديب الكنسي مهمًا جدًا. في متى 18، يوضح يسوع الخطوات: إذا أخطأ شخص في الكنيسة، يجب مواجهته ومنحه فرصة للتوبة. وإذا لم يتب بعد اتباع كل الخطوات، يُخرج من الكنيسة ويُعامل كغير مؤمن (الآيات 15–17). هذا النظام مصمم ليُخرج حقيقة الشخص - إما أن يرى خطأه ويتوب، أو يرى أن الكنيسة والحياة المسيحية غير مهمة ويبتعد - وفي كلتا الحالتين، يكشف التأديب الكنسي طبيعته الحقيقية.
لا يمكن للمؤمن الحقيقي أن يصبح غير مؤمن، لأنه قد وُلد من جديد بالروح القدس. فليس الإيمان ذاته هو من يحفظ المؤمن، بل قوة الله التي تمكّنه من الاستمرار في الإيمان.
English
هل يمكن للمؤمن أن يتخلى عن إيمانه؟