السؤال
الإيمان مقابل التصديق - ما الفرق؟
الجواب
من جهة، لا يوجد فرق بين الإيمان والتصديق؛ إذ غالبًا ما يُستخدم المصطلحان بالتبادل. إنجيل يوحنا كُتب "لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم حياة باسمه إذا آمنتم" (يوحنا 20: 31). لا يستخدم إنجيل يوحنا كلمة "إيمان" صراحة، رغم أن مفهوم الإيمان يتخلل الإنجيل بالكامل. وفي جميع أسفار الكتاب المقدس، لا يوجد تمييز صريح بين الإيمان والتصديق.
لكن من جهة أخرى، وفي الاستخدام الشائع للغة الإنجليزية، تُحمَّل كلمة "إيمان" أحيانًا معنى أعمق. فكلمة "تصديق" غالبًا ما تشير إلى القبول العقلي للحقائق. فلو سألت شخصًا عاديًا في الشارع إن كان يصدق بوجود الإسكندر الأكبر أو أبراهام لنكولن، على الأرجح سيفهم السؤال على أنه: "هل تعتقد أن هذا الشخص وُجد فعلًا؟" وسيُجيب أغلب الناس بالإيجاب. لكن كلمة "إيمان"، في الاستخدام المعاصر، تتضمّن عنصر الثقة والالتزام أيضًا.
كثير من الناس يصدقون بوجود الإسكندر الأكبر. بل إن كثيرين آمنوا به في زمانه، إذ وثقوا فيه ليحميهم، ويقودهم في المعارك، ويوسع الإمبراطورية اليونانية. ومع ذلك، من الآمن أن نفترض أن لا أحد في أيامنا هذه يثق فيه ليقوم بأي شيء لأجلهم. إنهم يصدقون بوجوده، لكن ليس لديهم "إيمان" به.
غالبية الناس يصدقون أنه من المهم تناول طعام صحي وممارسة الرياضة بانتظام؛ ومع ذلك، لا يتبع معظمهم هذا النمط في حياتهم. إنهم يصدقون أن مجموعة من الحقائق صحيحة، لكنهم لم يلتزموا فعليًا بنتائج تلك الحقائق. لديهم تصديق، لكن ليس لديهم إيمان، بالمعنى العصري.
بنفس الطريقة، يصدق كثير من الناس اليوم مجموعة من الحقائق حول الله، وقد تكون معتقداتهم صحيحة من الناحية اللاهوتية. لكن إن لم يكرّسوا أنفسهم لله، ولم يثقوا به، فإنهم لا يملكون الإيمان، أو "التصديق الكتابي". فالإيمان الكتابي (أو التصديق الكتابي) لا يعني فقط الموافقة العقلية على مجموعة من الحقائق. الإيمان الكتابي هو الثقة والالتزام الذي يؤدي إلى تغيّر في السلوك. ويعبّر يعقوب 2: 19 عن ذلك بقوله: "أنت تؤمن أن الله واحد؟ حسنًا! الشياطين أيضًا تؤمن وتقشعر!" فالشياطين تصدق بوجود الله، بل ربما تعرف عنه أكثر من البشر، لكنها لا تؤمن به. ومما يؤسف له أن كثيرًا من الناس لديهم نفس نوع التصديق الذي لدى الشياطين، لكنه ليس كافيًا للخلاص.
ويمكن توضيح هذا المفهوم بمثال آخر: ثلاثة أشخاص يصعدون إلى طائرة تجارية للسفر إلى مدينة بعيدة. الأول مهندس طيران يصمم الطائرات ويقودها، ويعرف كيف تعمل كل أجزائها. كما أنه صديق شخصي للطيار الذي سيقود الرحلة، ويعلم أنه طيّار كفء. فيصعد إلى الطائرة بثقة كاملة. الشخص الثاني هو رجل أعمال عادي يعرف القليل عن الطائرات ولا يفكر في الأمر كثيرًا. يجلس في مقعده ويبدأ بقراءة مجلة. أما الثالث فيشعر برعب شديد من الطيران، ويصاب بالعرق البارد. يبذل كل جهده لكي لا يهرب عائدًا، ويصعد إلى الطائرة مرتجفًا، ويأمل أن يغفو ولا يستيقظ إلا عند الهبوط. فالسؤال هو: "من من هؤلاء الثلاثة لديه إيمان أكبر بالطائرة؟" الجواب هو: جميعهم لديهم نفس مقدار الإيمان. كلهم صعدوا إلى الطائرة، وكرّسوا سلامتهم لها ولطاقمها. ولن يصلوا إلى وجهتهم إلا إذا وصلت الطائرة. وإذا سقطت الطائرة، سيسقطون معها. كل من صعد إلى الطائرة قد وضع ثقته فيها - لقد آمن بها. أما الذين بقوا في المطار، حتى لو كانوا واثقين تمامًا من أن الطائرة ستصل، فهم لم يمارسوا الإيمان بها. لم يكرّسوا أنفسهم لها.
وخلاصة القول، إن الإيمان والتصديق يُستخدمان بالتبادل. لكن العهد الجديد يقر بأن البعض قد يكون لديه "إيمان زائف" أو "تصديق ناقص"، وهو غير كافٍ. فالفرق ليس في الكلمتين، بل في المفهومين: بين الاتفاق العقلي والالتزام القلبي الكامل. في الاستخدام العصري، يشير التصديق إلى القبول العقلي، بينما يشير الإيمان إلى الالتزام الكامل. وطالما نحافظ على هذا التمييز، فلا مشكلة في استخدام أي من الكلمتين. لكن علينا أن نحذر من إسقاط المفاهيم المعاصرة على مقاطع محددة من العهد الجديد.
English
الإيمان مقابل التصديق - ما الفرق؟