السؤال
هل يقول لنا الكتاب المقدس: لا تُبَدِّر حياتك؟
الجواب
رغم أن العبارة الدقيقة "لا تُبَدِّر حياتك" لا توجد في الكتاب المقدس، إلا أن مفهوم عدم تبديد حياتنا موجود من الغلاف إلى الغلاف.
من المهم أن نفهم كيف يعرّف الله الحياة الناجحة. قد يختلف مفهومنا عن عدم تبديد الحياة عن فكرة الله عن الحياة المُرضية. الرجل الغني في مثل يسوع لم يكن يعتقد أنه يبدّد حياته حين كان يكنز الأشياء لنفسه، لكن في نهاية حياته، دعاه الله جاهلاً (لوقا 12: 16–21).
توجيه واضح من الله حول الحياة الطيبة نجده في تثنية 6: 5، حيث يعلن موسى ما يريده الله من شعبه: "فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ". وفي ميخا 6: 8 نقرأ هذه الكلمات: "قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ. وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ، وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلَهِكَ؟" وعندما سُئل مخلّصنا عن الوصيّة الأهم، قال في مرقس 12: 29–31: "إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هاتَيْنِ".
لذا، إن كنا لا نريد أن نُبَدِّر حياتنا، فإن رغبتنا العميقة يجب أن تكون في محبة الله بكل كياننا. وينبثق من هذه المحبة لله محبة غير أنانية للآخرين أيضًا. علينا مسؤولية أن "اتَّقِ اللَّهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ" (جامعة 12: 13)، وأن نمجّد الله ونمجّله في كل ما نفعله (1 كورنثوس 6: 20؛ 10: 31). فالحياة التي تُعاش في عصيان وأنانية هي حياة مُبَدَّرة.
سأل يسوع هذا السؤال الجاد: "مَاذَا يَنْفَعُ الإِنْسَانَ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَخَسِرَ نَفْسَهُ أَوْ أُهْلِكَ نَفْسَهُ؟" (لوقا 9: 25). قد يحقق شخص ما نجاحًا كبيرًا في هذا العالم، ويملك الشهرة والغنى والنفوذ والإنجازات والجوائز. لكن ذلك النجاح، إن لم يكن سعيًا لمجد الله ودافعُه محبة الله والناس، فسيُعَدّ جزءًا من حياة مُبَدَّرة.
قد يكون الشخص الأمين الذي يعمل بصمت في وظيفة بسيطة بدافع محبته لله، في نظر الله، أكثر نجاحًا من شخص مشهور وموهوب. إن لم نرغب في تبديد حياتنا، فعلينا أن نتبع مشيئة الله ونُكمل مهامنا بدافع من المحبة العميقة والامتنان لله، ورغبة في مباركة الآخرين ومساعدتهم.
في روايته الكلاسيكية "ترنيمة عيد الميلاد " (A Christmas Carol)، يصور تشارلز ديكنز شخصية جوزيف مارلي كرجل قد بَدَّر حياته بطريقة مأساوية. يظهر مارلي في بداية القصة كروح مقيدة بسلسلة فولاذية ضخمة، محكوم عليه بالتجوال في بؤس إلى الأبد. يتحسر مارلي على مصيره، ويعلم أنه فات الأوان لتغييره، فيصرخ: "لا يمكن لأي قدر من الندم أن يعوض عن فرصة حياة أُسيء استخدامها!". وعندما يُذكَّر بمهارته السابقة في الأعمال والمال، يقول مارلي بحسرة: "الأعمال!… البشر كانوا هم أعمالي. رفاهية الناس كانت هي أعمالي؛ الصدقة، الرحمة، الاحتمال، والإحسان، كلها كانت أعمالي. تعاملاتي التجارية لم تكن سوى قطرة ماء في محيط شامل من أعمالي! " (من الفصل الأول). إن تحذير مارلي لسكروج كان أحد العوامل التي جعلت سكروج يعيد تقييم أولوياته ويتوقف عن تبديد حياته في السعي الأناني وراء الثروة الفارغة.
لكي لا نُبَدِّر حياتنا، يجب أن نعرف المسيح ونتبعه. يجب أن نأتي إليه بالإيمان، مؤمنين بالعمل الذي أتمه نيابة عنا في موته وقيامته. فبدون إيمان لا يمكن إرضاء الله (عبرانيين 11: 6)، والحياة التي لا ترضي الله هي حياة مُبَدَّرة. يجب أن نتصالح مع هذه الحقيقة المناقضة للبديهة: "مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا" (لوقا 17: 33). فالحياة التي تُعاش بالكامل للمسيح لا يمكن أن تكون حياة مُبَدَّرة. وبينما نحيا لمجد الله ونسعى لمحبته ومحبّة الآخرين، نعلم أن يومًا ما سنسمعه يقول: "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ!" (متى 25: 21).
English
هل يقول لنا الكتاب المقدس: لا تُبَدِّر حياتك؟