السؤال
ما معنى الانحطاط أو المنحط؟
الجواب
تُعرّف كلمة "منحط" بأنها من تدهورت حالته جسديًا أو عقليًا أو أخلاقيًا، أما "الانحطاط" فهو حالة الشخص الذي وصل إلى هذا التدهور. ورغم أن هاتين الكلمتين لا تظهرا بصيغتهما المباشرة في الكتاب المقدس، فإن مفهوم الانحطاط حاضر بقوة في التعاليم الكتابية.
في جنة عدن، سقط آدم وحواء من حالة البراءة الكاملة إلى حالة العصيان التامة. لقد انحدروا أخلاقيًا - أي أصبحوا في حالة انحطاط. ويسجل سفر التكوين 3 الأحداث التي قادت إلى السقوط، مبيِّنًا دخول الخطيئة إلى العالم وما نتج عنها من عواقب.
وتردّد صدى عواقب عصيان آدم في جميع أسفار الكتاب المقدس. ففي رومية 5: 12، يشرح الرسول بولس مدى تأثير الخطيئة قائلاً: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ". فبدخول الخطيئة، بدأ مسار الانحطاط، حتى قيل: "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23).
يتوافق الفهم الكتابي للانحطاط مع عقيدة "الفساد الكلي " (Total Depravity)، وهي التي تعلّم أن السقوط أفسد كل جوانب الطبيعة البشرية - العقل، والإرادة، والعواطف، والجسد. ويصوّر إرميا 17: 9 بوضوح حالة القلب غير المُفتدى: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟" .هذا يُظهر مدى تغلغل الخطيئة في كيان الإنسان، ويكشف عن حاجته إلى شفاء إلهي (قارن مع إرميا 31: 33؛ رومية 5: 5).
لكن، على الرغم من الصورة القاتمة للانحطاط البشري، يشير الكتاب المقدس إلى رجاء الفداء بيسوع المسيح. ففي رومية 5: 19، يقارن بولس بين عصيان آدم وطاعة المسيح: "لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا".
العلاج الوحيد للانحطاط هو العمل الكامل للمسيح: طاعته الكاملة، موته الكفاري البدلي، وقيامته الظافرة التي تعيد الإنسان الساقط إلى علاقة صحيحة مع الله. ويكتب بولس في أفسس 2: 8–9: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ".
الخلاص هو عمل فوري من نعمة الله، لكن المسيرة لا تنتهي عند هذا الحد. بل ينبغي للمؤمنين أن يستمروا في التقدّس، ويتشكّلوا أكثر فأكثر على صورة المسيح (رومية 8: 29). ويحث بولس المؤمنين في فيلبي 2: 12–13 على أن "يُتَمِّمُوا خَلاَصَهُمْ بِخَوْفٍ وَرَعْدَةٍ، لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ".
إن عملية التقديس هي تعاون بين المؤمنين والروح القدس لهزيمة قوة الخطيئة، والسعي نحو شبه المسيح. ويتم ذلك من خلال الصلاة الدائمة، وقراءة وتأمل الكلمة، والشركة المسيحية.
يُشكّل انحطاط الإنسان خلفية يظهر عليها بريق نعمة الله ورحمته بوضوح. فسقوط الإنسان يتطلّب تدخلًا إلهيًا. وبينما يسير المؤمن في التوتر القائم بين واقع الانحطاط ورجاء الفداء، يعمل الروح القدس في داخله ليُثمر أعمالًا صالحة ترضي الله. لذا، فالانحطاط ليس الكلمة الأخيرة، وحالتنا المنحطة ليست هي نهايتنا. بل إنها مجرد مقدّمة لأمور أعظم، عندما يُعيد الله كل شيء ويُجدّد كل شيء ويصنع "كل شيء جديدًا" (رؤيا 21: 5).
English
ما معنى الانحطاط أو المنحط؟