السؤال
ما هو دور الروح القدس في الخلق؟
الجواب
الروح القدس، أحد الأقانيم الثلاثة في الثالوث، كان له دور كبير في الخلق. وعلى الرغم من أنه يُرتبط غالبًا بالتجديد والهداية والتقديس، فإن الروح القدس جزء أساسي من عمل الله الخلاّق. تكشف العديد من آيات الكتاب المقدس عن مشاركة الروح القدس في خلق الكون؛ فهو يمنح النظام للعالم ويحفظ الحياة. عمل الآب والابن والروح القدس بانسجام في خلق الكون.
يفتتح الكتاب المقدس بالإشارة إلى دور الروح القدس في الخلق. يقول في (تكوين 1: 1-2): "في البدء خلق الله السماوات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه." هنا يُشار إلى الروح القدس بعبارة "روح الله"، التي تُظهر دوره الفعّال في اللحظات الأولى من الخلق. الكلمة العبرية "روح" هي "רוּחַ" (روَّاح) وتعني "نَفَس، ريح، أو روح". ويشير تصوير الروح وهو "يرف" على المياه إلى أن الروح القدس كان يعد ويمهد الفوضى البدائية لتصبح عالماً قابلاً للحياة.
الكلمة العبرية "يرف" تُترجم أيضًا إلى "يحضن" أو "يتحرك بلطف"، مما يوحي بوظيفة حامية وخلاّقة. الروح القدس ضمن انتقال الخليقة من حالة الخراب والفراغ إلى النظام والامتلاء. وهذا يُبرز فكرة عميقة: الروح القدس لم يكن حاضرًا فقط في بداية الخلق، بل كان نشطًا في تنظيم وإحياء العالم ومنحه الحياة والإمكانات.
يرتبط دور الروح القدس في الخلق ارتباطًا وثيقًا بكلمة الله، التي يُعرف بها المسيحيون الابن، يسوع المسيح. يقول (مزمور 33: 6): "بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا." الكلمة المترجمة إلى "نَسَمَة" هي أيضًا "روَّاح"، مما يبرز التعاون بين كلمة الله وروح الله في خلق الكون.
وفي إنجيل يوحنا، تُستخدم كلمة الله للإشارة إلى يسوع المسيح كما يؤكد في (يوحنا 1: 1-3): "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان." الكلمة كانت الوسيلة التي نُطِقت بها الخليقة إلى الوجود، بينما الروح القدس أحيا الخليقة وملأها بالحياة. هذا التعاون بين الكلمة والروح يُظهر كيف كان كلاهما ضروريين في عملية الخلق.
الروح القدس هو المسؤول عن منح الحياة لجميع المخلوقات. يعلن صديق أيوب أليهو في (أيوب 33: 4): "رُوحُ اللهِ صَنَعَنِي، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي." الحياة البشرية نفسها هي نتاج قوة الروح الخلاقة. وهناك مقطع مشابه في (تكوين 2: 7) حيث خلق الله آدم: "وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حية." دور الروح في منح الحياة لا يقتصر على البشر بل يشمل كل المخلوقات، كما يقول (مزمور 104: 30): "تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ." قوة الروح الخلاقة مستمرة، فهي تجدد وتحفظ الحياة.
الروح القدس يشارك بعمق في استدامة العالم وإعادة خلقه بشكل مستمر. كما يوحي (مزمور 104: 30)، فإن الروح يستمر في تجديد الخليقة. وينعكس هذا في (إشعياء 32: 15) الذي يتحدث عن تجديد مستقبلي: "إِلَى أَنْ يُصَبَّ عَلَيْنَا الرُّوحُ مِنَ الْعَلَاءِ، فَتَصِيرُ الْبَرِّيَّةُ بُسْتَانًا، وَيُحْسَبُ الْبُسْتَانُ وَعْرًا." هنا يُصوَّر الروح كمجدد يحوّل القفار إلى خصب.
من اللحظات الأولى للخلق إلى التجديد المستمر للحياة، كان للروح القدس دور عظيم في الخلق. كان حاضرًا في بداية الزمن، يرف على وجه المياه. وتعاون مع كلمة الله في تشكيل السماوات والأرض، ويمنح الحياة لجميع المخلوقات. علاوة على ذلك، يستمر عمل الروح في الحاضر، مجددًا الخليقة ومبشرًا بحياة جديدة في المسيح (يوحنا 3: 5-8). عمل الروح القدس الدائم والحيوي يعكس قوته وحكمته ودوره الأساسي في خطة الله الخلاقة وإعادة الخلق.
English
ما هو دور الروح القدس في الخلق؟