السؤال
من هو هيرودس الكبير في الكتاب المقدس؟
الجواب
يظهر اسم هيرودس مرارًا وتكرارًا في العهد الجديد، من متى 2 إلى أعمال الرسل 26. وقد يظن القارئ العادي أن هيرودس عاش فترة طويلة جدًا كحاكم، لكن في الواقع، هيرودس هو اسم عائلة لسلالة حاكمة في فلسطين. هناك أربعة أشخاص مختلفين باسم هيرودس في العهد الجديد، بالإضافة إلى هيرودس فيلبس الثاني، الذي يُشار إليه باسم فيلبس رئيس الربع في العهد الجديد.
هيرودس الأول، المعروف بهيرودس الكبير، كان يُلقب أيضًا بملك اليهود، وقد حكم من سنة 37 أو 36 قبل الميلاد حتى 4 قبل الميلاد. يُذكر في العهد الجديد في إنجيل متى 2، حيث جاء المجوس من المشرق إلى أورشليم باحثين عن المولود ملك اليهود. هذا الأمر لفت انتباه هيرودس، إذ أن هذا هو لقبه. فاستدعى الكتبة وتأكد منهم أن النبوات تشير إلى أن المسيح سيولد في بيت لحم. وعندما غادر المجوس إلى بيت لحم للعثور على المسيح، طلب منهم هيرودس أن يرجعوا ويخبروه بالمكان الذي وجدوه فيه "لكي يأتي ويسجد له هو أيضًا" (متى 2: 8).
لكن بالطبع، لم تكن هذه نية هيرودس الحقيقية. فقد وجد المجوس يسوع وسجدوا له، وقدموا له هداياهم، ثم أُوحي إليهم في حلم ألا يرجعوا إلى هيرودس. فلما أدرك هيرودس أن المجوس لم يرجعوا إليه، غضب جدًا، وأمر بقتل جميع الأولاد الذكور من عمر سنتين فما دون في بيت لحم ومحيطها، في محاولة لإنهاء حياة أي منافس محتمل. ولكن الله أنذر يوسف في حلم أن يهرب إلى مصر مع يسوع ومريم، فنجا يسوع، في حين وقعت مذبحة عظيمة للأطفال الأبرياء (متى 2: 16–18). هذا هو الإرث الكتابي الذي اشتهر به هيرودس الكبير.
كان هيرودس الكبير ابن مسؤول رفيع المستوى في سلالة الحشمونيين التي كانت تحكم فلسطين كمملكة مستقلة. كان إدوميًا أو من نسل عيسو، لكن حصل تزواج بين اليهود والإدوميين، وكان هيرودس يعلن نفسه يهوديًا، رغم أنه لم يكن ملتزمًا بالشريعة اليهودية. في سنة 41 قبل الميلاد، عُيِّن هيرودس الكبير واليًا على الجليل. كانت السلالة الحشمونية في نزاع مع روما، فاختار هيرودس دعم روما في هذا الصراع، ومنحه مجلس الشيوخ الروماني لقب "ملك اليهود" وطلب منه غزو اليهودية ليحكمها كملك عميل لروما. وبعد ثلاث سنوات من القتال، انتصر هيرودس سنة 37 أو 36 قبل الميلاد.
وبصفته ملكًا على اليهودية، كانت مهمة هيرودس الأساسية تنفيذ إرادة روما. وكالعادة، كانت روما تهدف إلى الحفاظ على السلام وكسب ود الشعوب المحلية التي أخضعتها. (وإن لم ينجح ذلك، كانت روما تتدخل بقوة ساحقة.) سعى هيرودس لكسب رضا الناس بتخفيض الضرائب، وسن سياسات لتحقيق الرخاء الاقتصادي، وبناء مشاريع عامة ضخمة، مثل مدينة قيسارية الساحلية الاصطناعية، وحصن مسعدة، وتحسين تحصينات أورشليم. كما بنى قصرًا رائعًا على قمة جبل صناعي أطلق عليه اسم "هيروديون".
ومن أجل كسب ود اليهود، قام هيرودس الكبير بتوسيع وتجديد الهيكل في أورشليم ليصل إلى حجم وروعة لم يسبق لها مثيل، حتى في عهد سليمان. وأصبح يُعرف لاحقًا بـ"هيكل هيرودس". كما تزوج من مريم الحشمونية، وهي أميرة من سلالة الكهنة، وعيّن شقيقها رئيسًا للكهنة.
رغم مشاريعه المعمارية الباهرة وطموحاته، فقد كان لهيرودس الكبير جانب مظلم، ظهر في أحداث متى 2 وأحداث تاريخية أخرى. كان دائم الخوف من المنافسين المحتملين. فقد أغرق شقيق زوجته أرسطوبولس، رئيس الكهنة، في مسبح قصره. وقتل 46 من أعضاء السنهدريم. كما قتل حماته، بل وقتل زوجته مريم وابنين له منها، لأنه اعتبرهم منافسين محتملين نظرًا لأصلهما الحشموني النقي. (كان لهيرودس عشر زوجات وأولاد كثر ليس لهم دم حشموني.) وقد نُقل عن الإمبراطور أوغسطس قوله: "من الأفضل أن تكون كلب هيرودس على أن تكون أحد أولاده". وبوضع هذا في سياقه، فإن حادثة قتل الأطفال في متى 2 لا تبدو خارجة عن طبيعته.
في سنة 4 قبل الميلاد، وبعد مرض طويل ومؤلم، مات هيرودس الكبير. وقد أُبلغ يوسف بهذا الخبر من قبل ملاك الرب في حلم (متى 2: 19)، فعرف أن الوقت قد حان للعودة إلى إسرائيل مع يسوع.
طبعًا، يسبب هذا تعارضًا مع نظام التأريخ لدينا. فنحن نعلم أن هيرودس توفي في 4 قبل الميلاد، مما يعني أن يسوع وُلد قبل هذا التاريخ. وعادة ما يُفترض أن يسوع وُلد في سنة 1 قبل الميلاد (أو ربما سنة 0 أو 1 ميلادية)، لكن هذه التواريخ وُضعت بعد تسعة قرون تقريبًا، وقد شابها بعض الأخطاء في الحساب. لذا، وُلد يسوع قبل سنة 4 قبل الميلاد، ولا نعرف كم من الوقت مرّ بين ذهاب يوسف بعائلته إلى مصر ووفاة هيرودس.
بعد وفاة هيرودس الكبير، عُيّن أبناؤه حكامًا مكانه. فتم تعيين أرخيلاوس كـ"إثنارخ" (أي حاكم لشعب، لكنه ليس ملكًا) على السامرة واليهودية وإدوم. وذُكر مرة واحدة في الكتاب المقدس: عندما علم يوسف أن أرخيلاوس يملك على اليهودية بدلًا من أبيه هيرودس، ذهب بعائلته إلى الناصرة في الجليل (متى 2: 22–23). أما فيلبس (هيرودس فيلبس الثاني)، فتم تعيينه رئيس ربع على إيطورية وتراخونيتس. وذُكر لاحقًا في العهد الجديد بأنه من فقد زوجته لصالح أخيه غير الشقيق، هيرودس أنتيباس، الذي وبخه يوحنا المعمدان لأخذه زوجة أخيه (متى 14: 3–4).
كان هيرودس الكبير حاكمًا طموحًا وعديم الرحمة، وضع نفسه في مواجهة ملك الملوك ورب الأرباب. وعلى مدار التاريخ والسجل الكتابي، نرى عائلة هيرودس تسير على خطى والدهم في معارضة المسيح.
English
من هو هيرودس الكبير في الكتاب المقدس؟