السؤال
ما هو التاريخ التثنوي؟
الجواب
التاريخ التثنوي هو الاسم الذي يُطلق على مجموعة الأسفار المعروفة باسم "الأنبياء السابقون" في الكتاب المقدس العبري (يشوع، القضاة، صموئيل الأول، صموئيل الثاني، الملوك الأول، الملوك الثاني) بالإضافة إلى سفر التثنية. يرى المؤيدون لنظرية التاريخ التثنوي أن هذه الأسفار كانت في الأصل عملًا واحدًا مؤلفًا خلال فترة السبي. وتقول هذه النظرية إن الأسفار من التثنية وحتى الملوك لم تُدوَّن وقت حدوث الأحداث نفسها، بل جُمعت لاحقًا لتفسير سبب سماح الله - في ضوء عهده مع إسرائيل - بهزيمة شعبه على يد الآشوريين والبابليين، وكأن الله قد تخلّى عنهم. ويُنظر إلى التاريخ التثنوي كامتداد للاهوت سفر التثنية، خصوصًا في ما يخص البركات واللعنات الواردة في الفصل 28.
يرتبط اسم العالِم الألماني مارتن نوث من جامعة بون بشكل أساسي بنظرية التاريخ التثنوي، والتي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين. اعتبر نوث أن سفر التثنية هو مقدمة لأسفار التاريخ، وليس مجرد خلاصة للأسفار الأربعة الأولى من الشريعة. وقد رأى أن التثنية يختلف في الأسلوب الأدبي والموضوع اللاهوتي عن تلك الأسفار، ويتشابه أكثر مع الأسفار التي تليه. لذلك، من تبعوا نظرية نوث يتحدثون عن "الرباعية" (Tetrateuch) بدلًا من "الأسفار الخمسة" (Pentateuch).
بعض جوانب هذه النظرية مقبولة. على سبيل المثال، لا يوجد في النص الكتابي ما يمنع أن تكون "أسفار الأنبياء السابقين" عملًا موحدًا لكاتب واحد. كما لا يُعَدّ تأريخ هذه الأسفار إلى فترة السبي أمرًا إشكاليًا، ولا النظرة اللاهوتية التي تتضمنها، والتي تُظهِر نعمة الله في تحذير الملوك مرارًا، رغم استمرارهم في عبادة الأوثان. ورغم وجود بعض الملوك في مملكة يهوذا حاولوا القيام بإصلاحات، فإن الغالبية بعد داود نسيت وصايا الله. من الطبيعي أن يكون لدى كاتب (أو كتّاب) "الأنبياء السابقين" منظور لاهوتي محدد يحكم عمله، تحت إلهام الروح القدس. وهذه الأسفار لا تدعي أنها روايات شاهد عيان، بل يشير الكاتب أو الكتّاب إلى مصادر يمكن الرجوع إليها عند كتابة التاريخ، مثل "سفر أخبار ملوك إسرائيل" المذكور في (الملوك الأول 14: 19).
أما العلماء المحافظون، فعادة ما يرفضون فكرة أن "الأنبياء السابقين" من تأليف شخص واحد، بسبب الاختلافات الأسلوبية بين الأسفار. وبما أن الكتاب المقدس لا يحدد مؤلفي هذه الأسفار، فإن احتمال كونها من تأليف شخص واحد أو عدة أشخاص يظل قائمًا. كما أن العلماء المحافظين عادة ما يؤرخون هذه الأسفار إلى فترة أقرب إلى الأحداث نفسها. وبما أن الكتاب المقدس لا يحدد تواريخ كتابتها، فإن الرأي حول زمن تأليفها لا يُعتبر مسألة تتعلق بعصمة الكتاب أو إلهامه. والاستثناء الوحيد هو سفر التثنية، الذي يذكر صراحة أن موسى هو الذي كتبه (التثنية 31: 9). كما أن يسوع أكّد نسبة التثنية إلى موسى في (متى 19: 8).
سواء كُتبت أسفار يشوع حتى الملوك أو عُدّلت لاحقًا على يد شخص واحد خلال فترة السبي، أو كُتبت بواسطة عدة أشخاص في أوقات قريبة من وقوع الأحداث، فلا مانع من استخدام مصطلح "التاريخ التثنوي" للإشارة إلى سفر التثنية و"الأنبياء السابقين"، إذ إنهم يشتركون في منظور لاهوتي متماثل.
English
ما هو التاريخ التثنوي؟