السؤال
هل يجب أن يكون المسيحي متطرفًا (جذريًا)؟
الجواب
يمكن أن تكون كلمة «جذري» في وصف السلوك البشري إيجابية أو سلبية، تبعاً لوجهة النظر. ولأغراض هذا المقال، سنعرّف «الجذري» بأنه «الشخص الذي يتمسك التزاماً صارماً برؤيةٍ للعالم تتعارض بشدة مع المعايير الثقافية السائدة» .
إذا كان «الطبيعي» في المنتصف، فإن «الجذري» هو الشخص الواقع على أيٍّ من طرفيّ النقيض. فالأم تريزا يمكن اعتبارها «جذرية» في إنكارها الشديد لذاتها وخدمتها لأفقر الفقراء. لكن صدام حسين أيضاً كان «جذرياً» في فرضه العنيف لأجندته الدينية والسياسية. كلاهما مثّل أقصى طرف مما تعتبره المجتمعات «طبيعياً».
يتوقف ما إذا كان يجب على المسيحي أن يكون جذرياً على كيفية تعريف هذا المصطلح. فالكثيرون عبر التاريخ استخدموا اسم المسيح لارتكاب أعمال الإرهاب والاضطهاد والإبادة ضد من يختلفون معهم دينياً. ذلك النوع من التطرف لم يوافق عليه يسوع قط، مع أنه كان هو نفسه جذرياً. كانت رسالته عن المحبة والمغفرة والرحمة تتعارض تماماً مع المفاهيم السائدة في زمانه. رفض أن يردّ على من هاجموه (بطرس الأولى 2: 23)، ورفض أن يسمح لبطرس أن يدافع عنه بالعنف (متى 26: 51–52)، وامتنع عن إدانة المرأة التي أُمسكت في الزنا (يوحنا 8: 4–11). كانت تلك كلها أفعالاً جذرية في سياق الزمان والثقافة آنذاك. أحد أسباب ارتداد بعض الناس عن المسيح هو أن مطلبه بالتخلي عن كل شيء لأجله كان جذرياً للغاية (لوقا 18: 22–23).
إن القرار باتباع المسيح هو في حد ذاته دعوة إلى حياة جذرية. قال يسوع: «إن أراد أحد أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني» (لوقا 9: 23). هذا الأمر يتعارض بشدة مع رغبة الجسد في إرضاء ذاته (رومية 7: 21–23). ويتحدى حكمة العالم التي تكرز بأن تحقيق الذات هو الغاية العليا (يوحنا الأولى 2: 15–17). الصليب أمر جذري، وإعلان يسوع رباً على حياتنا يعني خلع الذات عن العرش وتسليم الإرادة كلياً له. يجب أن نكون مستعدين للذهاب حيث يقودنا، وأن نفعل ما يأمر به، وأن نحبه أكثر من الحياة نفسها (متى 10: 37–38). والتغييرات التي تلي مثل هذا الالتزام تُعدّ جذرية بحسب مفهوم العالم لما هو «طبيعي». أما الذين يزعمون أنهم يعرفون المسيح لكنهم يرفضون هذه الحياة الجذرية فيُسمَّون «جسديين» (كورنثوس الأولى 3:3). ويسوع يدعو مثل هؤلاء المسيحيين المعلنين «فاترين» ويقول إنه سيتقيأهم من فمه (رؤيا 3: 16).
إن الفظائع اللاإنسانية المرتبطة غالباً بالتطرف تتعارض تماماً مع المسيحية الجذرية. يدعو يسوع أتباعه إلى السعي لخير الآخرين، ومحبّة القريب، وصنع السلام ولو بثمن شخصي كبير (غلاطية 5: 14؛ متى 5: 9؛ لوقا 10: 30–37). وتعاليم يسوع المعروفة بالموعظة على الجبل (متى 5: 3–12) هي دعوته إلى الحياة الجذرية. إنه يطلب من أتباعه أن يسلكوا الطريق الأسمى، «من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً» (الآية 39)، و«أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» (الآية 44).
أما الذين يثيرون العنف والاضطهاد باسم المسيح فليسوا جذريين البتة، بل هم «أعداء صليب المسيح» (فيلبي 3: 18–19)، يفعلون ما تمليه عليهم أذهانهم الجسدية. فالمسيحية الكتابية تقف على النقيض من أسلوب الحياة الطبيعي، وهذا يعني أن الذين يختارون يسوع سيُعتبرون جذريين في نظر الأكثرين. فالحياة الممتلئة بالروح هي حياة جذرية لأنها تتعارض مع كل ما تريده طبيعتنا الأنانية وتقف في تضاد صارخ مع أسلوب العالم الجسدي.
يفهم المسيحيون الجذريون رغبة بولس حين قال: «لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته» (فيلبي 3: 10). والمسيحي الجذري هو الذي «أمات أعمال الجسد» (رومية 8: 13). كان الرسل مسيحيين جذريين - «الذين فتنوا المسكونة» (أعمال 17: 6) - لكنهم فعلوا ذلك من خلال التضحية والمحبة (يوحنا 13: 35). وتعلّم بولس أن «يفتخر بضعفاته لكي تحلّ عليه قوة المسيح... لأنني حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي» (كورنثوس الثانية 12: 9–10). وبما أن اتباع يسوع يتعارض تماماً مع «الطبيعي»، يمكن اعتبار القول «لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح» (فيلبي 1: 21) أسلوب حياة جذرياً بكل معنى الكلمة.
English
هل يجب أن يكون المسيحي متطرفًا (جذريًا)؟