السؤال
ما هي الأتونية؟ وهل استعارت اليهودية أو المسيحية منها؟
الجواب
الإِجابة: كثيرًا ما قدَّم المشككون عبر تاريخ الكنيسة ادعاءات تفيد بأن المسيحية عبارة عن مزيج من ديانات أخرى، وبالتالي فهي فاقدة للمصداقية. وقد تم تفنيد هذه الهجمات مرارًا وتكرارًا. ومن ضمن هذه الهجمات الادعاء بأن موسى استعار فكرة الإله الواحد من الديانة الأتونية، وأن يهوه ليس سوى إعادة تغليف للإله "آتون".
الأتونية كانت عبادة للإله المصري آتون (أو آتن)، وهو تجسيد للإله الشمسي. ويُصوَّر آتون في النقوش الهيروغليفية على هيئة قرص الشمس الذي يمد الأرض بالبركات. وقد روّج الملك أمنحتب الرابع، الذي عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، لعبادة آتون في محاولة لتوحيد تعددية الآلهة المصرية في عبادة إله واحد فقط. وأطلق على نفسه اسم "إخناتون"، أي "المفيد لآتون" أو "خادم آتون". وأمر هذا الفرعون بإزالة صور وأسماء الآلهة الأخرى في مصر، ولهذا السبب يُعتبر أحيانًا أول موحِّد في العالم. لكن الأتونية توصف بدقة أكثر بأنها "عبادة إله واحد دون إنكار الآلهة الأخرى" أو "عبادة انتقائية"، أي أنها لم تكن توحيدًا مطلقًا.
لم تدم الأتونية طويلًا بعد موت مؤسسها؛ فبعد رحيل إخناتون، عاد المصريون إلى تعدديتهم السابقة، ووُصف إخناتون لاحقًا بأنه "الملك المارق" أو "الزنديق".
هل كان للديانة الأتونية أي علاقة باليهودية؟ تعتمد الإجابة عن هذا السؤال إلى حدٍّ كبير على ما إذا كان المرء يعتقد أن الكتاب المقدس صادق. فإن كان الكتاب المقدس صادقًا، فالإجابة ببساطة هي: "كلا، لم تستعر اليهودية (ولا المسيحية) شيئًا من الأتونية". الكتاب المقدس، إن كان صادقًا، يقدم وصفًا دقيقًا عن من هو الله وكيف يتعامل مع البشر. وأي تشابه بين وصف الله في الكتاب المقدس وبين أوصاف موجودة في ديانات أخرى هو إما صدفة أو يشير إلى أن الديانات الأخرى هي التي اقتبست من الكتاب المقدس. أما إن لم يكن الكتاب المقدس صادقًا، فلن يكون هناك فرق كبير في كونه استعار من الأتونية أو لم يستعر، لأن الأساس نفسه يكون مشكوكًا فيه. وإن كان القارئ غير متأكد من صدق الكتاب المقدس، فربما يجد فائدة في دراسة أوجه التشابه المزعومة بين الأتونية واليهودية القديمة.
بحسب نظرية بعض المشككين، كان من المحتمل أن العبرانيين عاشوا في مصر خلال عهد إخناتون، وأُعجبوا ببعض جوانب الأتونية، ثم دمجوها في نظامهم الديني بعد خروجهم من مصر. ووفقًا لهذه النظرية، فإن التوحيد في اليهودية (ومن ثم المسيحية) مستعار من الأتونية، وأن موسى سرق الفكرة من إخناتون.
لكن هناك مشكلات متعددة في هذه النظرية:
أولًا، مسألة الترتيب الزمني. كان العبرانيون في مصر تقريبًا من عام 1800 إلى 1400 قبل الميلاد، أما إخناتون فقد حكم في منتصف القرن 14 قبل الميلاد. أي أن بني إسرائيل غادروا مصر قبل صعود إخناتون إلى العرش، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا قد استعاروا شيئًا من الأتونية. ولكي يُقال بشكل قاطع إن هناك استعارة دينية، يجب إثبات أن موسى وإخناتون كانا معاصرين. وهذا لم يتم إثباته حتى الآن.
ثانيًا، أوجه التشابه بين اليهودية القديمة والأتونية تكاد تكون معدومة – هناك فقط تشابه واحد، وهو كونهما ديانتين توحيديتين في زمنٍ كان فيه التعدد الديني هو السائد. لكن الفروقات بين الديانتين كبيرة: آتون لا يبدو أنه يمتلك تفضيلات أخلاقية، وبالتأكيد لا يملك شريعة مثل إله اليهود. ففي خروج 19: 6، يُعلن إله العبرانيين أنه سيجعل من كل شعبه "مملكة كهنة" تمثل اسمه أمام العالم. بالمقابل، أعلن إخناتون أنه هو وحده الوسيط بين آتون والبشرية.
وقد حاول البعض إيجاد تشابه بين الشخصية المصرية الملكية "يويا" وشخص يوسف في سفر التكوين. كما حاول آخرون الربط بين إخناتون وموسى، بل وزعموا أن موسى هو في الحقيقة إخناتون نفسه. لكن هذه النظريات لم تلق قبولًا بين العلماء. على سبيل المثال، دُفن يويا في وادي الملوك في طيبة، في حين نُقل جسد يوسف إلى كنعان ليدفن هناك (يشوع 24: 32). كما أن موسى لم يكن مصريًا، حسب ما يقدمه الكتاب المقدس من نسبه العائلي بوضوح.
خلاصة القول: لا يوجد أي أساس تاريخي أو لاهوتي متين يُثبت أن اليهودية أو المسيحية استعارتا شيئًا من الأتونية.
English
ما هي الأتونية؟ وهل استعارت اليهودية أو المسيحية منها؟